الحكمة من زيارة الأربعين
السؤال :
اود ان اسأل عن الحكمة من مسيرة الاربعين
وعن الحكمة والدليل على دعوة الصالحين وهم اموات مثل طلب الرزق والتوفيق
والشفاء وغيرها… وهل هناك احاديث مع الاسانيد او ايات قرآنية يستدل بها
بهذا الفعل؟
و اود باسماء تفقهني بالمذهب الشيعي علمًا اني سني يبحث عن الحق
وجزيتم خيرَا
الجواب :
الجواب1: زيارة الاربعين من الشعائر الحسينية التي تذكّر الانسان بالله
تعالى وتقرّبه الى رحمته، فتكون من الشعائر التي قال الله تعالى فيها:
«ومن يعظّم شعائر الله فانها من تقوى القلوب» الحج/32 مضافاً الى حديث
الامام العسكري عليه السلام الذي جعل فيه زيارة الاربعين من علامات
المؤمن وكفى بذلك فخراً.
وجاء في كتاب كامل الزيارات في الباب التاسع والاربعين منه عن الامام
الصادق عليه السلام انه قال: «من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن
علي عليه السلام ان كان ماشياً كتب الله له بكل خطوة حسنة، ومحا عنه سيئة
…» وفي حديث آخر عنه عليه السلام ايضاً: «من اتى قبر الحسين عليه
السلام ماشياً، كتب الله له بكل خطوة الف حسنة، ومحا عنه الف سيئة، ورفع
له الف درجة …» وجاء في زيارة الجامعة الكبيرة: «… أشهد ان هذا سابق
لكم فيما مضى وجارٍ لكم فيما بقى وان ارواحكم ونوركم وطينتكم واحدة …»
فيفيد شمول ثواب المشي الى زيارة المعصومين الاربعة عشر عليهم السلام
جميعاً ان شاء الله تعالى. ولمزيد من التفصيل ينبغي مراجعة كتاب «فقه
السائرين والزائرين: احكام المشّاية».
الجواب2: جاء في كتاب وفاء الوفاء للسمهوري، والمستدرك للحاكم، وشفاء
السقام للسبكي، وتاريخ ابن عساكر، واسد الغابة وغيرها من كتب العامة مثل
العلل والسؤالات لعبد الله بن احمد بن حنبل بانه قال سألت ابي عن رجل
تمسّح وتلمّس وقبّل منبر رسول الله ثم قبره صلى الله عليه وآله وهو يتبرك
بهما فقال: لا بأس بذلك وعن اسماعيل عن ابن المنكدر انه كان اذا أصابه
مرض العطاش أقبل ووضع خده على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فاذا
لامه احد على ذلك قال: اطلب الشفاء من قبر رسول الله صلى الله عليه وآله
وروي عن ابن ابي الصيف والمحب الطبري جواز تقبيل قبور الصالحين، بل ندبه
واستحبابه عندهما، ثم ان الدعاء والطلب من الله تعالى لا يتنافي مع أن
يكون الدعاء والطلب من غير الله الا في موردين اثنين وهو:
1. الدعاء والطلب من الاصنام والاوثان.
2. الدعاء والطلب بعنوان العبادة.
واما غيرهما فجائز وذلك بدليل قوله سبحانه مخاطباً رسوله الكريم: «قل
انما ادعوا ربي ولا اشرك به احداً» سورة الحجر، الآية: 20 اي: لا اشرك في
عبادة ربي احداً وقوله عزوجل: «ذلكم بانه اذا دعي الله وحده كفرتم، وان
يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير» سورة غافر، الآية: 12 اي: يشرك
بعبادة الله غيره.
وهذا أمر واضح ويدل عليه: ان الله سبحانه قد دعا في كتابه الحكيم نبيه
موسى وطلب منه بقوله عزّ وجل: «يا موسى اني اصطفيتك… فخذ ما آتيتك…»
سورة الاعراف، الآية: 144 وقوله تبارك وتعالى: «يا يحيى خذ الكتاب
بقوة…» سورة مريم، الآية: 12 فهل يقال لله والعياذ بالله: انه قد اشرك؟
ويدل عليه ايضاً قوله سبحانه: «لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم
بعضاً» سورة النور، الآية: 63 فهل يقال: بان الله تعالى امرنا بأن نجعل
الرسول شريكاً له والعياذ بالله؟ ويدل عليه ايضاً قوله تعالى: «والرسول
يدعوكم في اخراكم» سورة آل عمران، الآية: 153 فهل يقال: بان الرسول حيث
دعا وطلب اصحابه عندما فروا يوم حرب أحد وتركوه وحده للمشركين بانه ـ
والعياذ بالله ـ قد اشرك؟
وفي نفس الواقعة كان الرسول الكريم كلما هجم عليه المشركون من جهة اليمين
او الشمال قال: يا علي اكشف هذه الكتيبة عني، فكان يكشفهم عن وجهه حتى
انكسر سيفه، فجاءه جبرئيل بسيف ذي الفقار وهو يهتف بين السماء والأرض
قائلاً: «لا فتى الا علي ـ لا سيف الا ذو الفقار» ويدل على جوار التوسل
بالرسول الكريم واهل بيته المعصومين قوله تعالى: «يا ايها الذين آمنوا
اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة» سورة المائدة، الآية: 35 وفي تفسير اهل
البيت سلام الله عليهم: انهم هم الوسيلة الى الله تعالى. ويدل عليه ايضاً
قوله سبحانه: «ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر
لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً» سورة النساء، الآية: 64 هو امر من
الله تعالى للمذنبين بان يأتوا الى النبي ويطلبوا منه ان يستغفر لهم الله
حتى يغفر الله لهم، وهو واضح ويدل عليه قوله تعالى عن لسان نبيه يوسف:
«اذكرني عند ربك» سورة يوسف، الآية: 42 وهو طلب واضح ابداه النبي يوسف
للذي نجى من السجن ورجع الى خدمة الملك ولم يقل الله سبحانه بأن يوسف قد
اشرك والعياذ بالله.
ويدل عليه قوله سبحانه عن لسان اخوة يوسف: «يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا»
سورة يوسف، الآية: 97 وفي 98 «سوف استغفر لكم ربي» فلم يقل لهم ابوهم وهو
نبي معصوم: ان هذا شرك، وانما وعدهم بالاستغفار لهم، وغير ذلك من الآيات
الكريمة، هذا وقد روى نافع عن ابن عمر عن النبي الكريم: «من حج ولم يزرني
فقد جفاني» كنـز العمال: ج5، ص135، ح12369، وعن انس رفعه عن النبي صلى
الله عليه وآله: «من زارني ميتاً كمن زارني حياً، ومن زار قبري وجبت له
شفاعتي يوم القيامة» وفاء الوفاء للسمهودي، ج2، ص400 وغير ذلك من
الاحاديث الشريفة، وعليه: فالتوسل بالنبي الكريم وباهل بيته الطاهرين
والبكاء والدعاء عندهم وتقبيل مراقدهم والاستغاثة بهم والقول: يا علي ويا
مهدي ادركني ويا فاطمة اشفعي لنا في الجنة مما أمر به القرآن الحكيم،
والرسول الكريم، وهل القرآن والرسول يأمران بالشرك والعياذ بالله؟ كما
انه يظهر منه ايضاً جواز الزحف الى زيارة مراقدهم الشريفة، وروضاتهم
المباركة، فقد روى واعظ اهل الحجاز مسنداً عن الرسول الكريم انه قال لعلي
عليه السلام: «يا ابا الحسن ان الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع
الجنة، وعرصات من عرصاتها، وان الله عز وجل جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة
عباده تحنّ اليكم، وتحتمل المذلّة والاذى فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون
زيارتها، تقرباً منهم الى الله تعال، ومودّة لرسوله صلى الله عليه وآله
اولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، والواردون حوضي وهم زواري وجيراني غداً
في الجنة …» التهذيب: ج6 ص107 حديث 189.