هل صحيح ما يتداول في التاريخ أن أمير المؤمنين (عليه السلام) بايع أبا بكر ؟
السؤال :
هل بايع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أبا بكر ؟
الجواب :
الأحاديث الواردة من طرق علمائنا الإمامية (أعلى الله مقاماتهم) على عدم بيعته لهم مختاراً، وأنه بايعهم تحت الإكراه والإجبار ، ومعلوم أن بيعة المكره باطلة شرعاً ولا يُعتدّ بها، وهذه الحقيقة منقولة حتى في كتب أهل الخلاف.
فقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن عثمان بن المغيرة ، عن زيد بن وهب قال : كان الذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة ، وتقدمه على علي بن أبي طالب (عليه السلام) اثني عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار ، وكان من المهاجرين خالد بن سعيد بن العاص ، والمقداد بن الأسود ، وأبي بن كعب ، وعمار بن ياسر ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وعبد الله بن مسعود ، وبريدة الأسلمي ، وكان من الأنصار خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وسهل بن حنيف ، وأبو أيوب الأنصاري ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وغيرهم ، فلما صعد المنبر تشاوروا بينهم في أمره ، فقال بعضهم : هلا نأتيه فننزله عن منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
وقال آخرون : إن فعلتم ذلك أعنتم على أنفسكم وقال الله عز وجل : ((ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)) ولكن امضوا بنا إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) نستشيره ونستطلع أمره ، فأتوا علياً (عليه السلام) فقالوا : يا أمير المؤمنين ضيعت نفسك وتركت حقاً أنت أولى به ، وقد أردنا أن نأتي الرجل فننزله عن منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنّ الحق حقك ، وأنت أولى بالأمر منه ، فكرهنا أن ننزله من دون مشاورتك ، فقال لهم علي (عليه السلام) : لو فعلتم ذلك ما كنتم إلا حرباً لهم ولا كنتم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد ، وقد اتفقت عليه الأمة التاركة لقول نبيها ، والكاذبة على ربها ، ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلا السكوت لما تعلمون من وغر صدور القوم وبغضهم لله عز وجل ولأهل بيت نبيه (صلى الله عليه وآله) وإنهم يطالبون بثارات الجاهلية ، والله لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدين للحرب والقتال ، كما فعلوا ذلك حتى قهروني وغلبوني على نفسي ولببوني ! وقالوا لي : بايع وإلا قتلناك ، فلم أجد حيلة إلا أن أدفع القوم عن نفسي ، وذاك أني ذكرت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا علي إن القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك وعصوني فيك ، فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر ، ألا وإنهم سيغدرون بك لا محالة ، فلا تجعل لهم سبيلا إلى إذلالك وسفك دمك، فإنّ الأمة ستغدر بك بعدي! كذلك أخبرني جبرئيل (عليه السلام) عن ربى تبارك وتعالى . ولكن إئتوا الرجل فأخبروه بما سمعتم من نبيكم ولا تجعلوه في الشبهة من أمره ليكون ذلك أعظم للحجة عليه ، وأبلغ في عقوبته إذا أتى ربه وقد عصى نبيه وخالف أمره”! (الخصال، للشيخ الصدوق: ص461)
كما روى ابن عبد ربه في العقد الفريد: 3/64، تحت عنوان : (الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر) : فأما علي والعباس والزبير ، فقعدوا في بيت فاطمة (عليها السلام) حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة (عليها السلام) ، فقال له إن أبوا فقاتلهم ! فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة (عليها السلام) فقالت : يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ؟ ! قال : نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة ، فخرج علي حتى دخل على أبي بكر فبايعه) . إنتهى.
( وقد روى البلاذري ، عدة روايات في إجبارهم عليا على البيعة ، منها : ( عن ابن عباس قال : بعث أبو بكرُ عمرَ بن الخطاب إلى علي (عليه السلام) حين قعد عن بيعته وقال : إئتني به بأعنف العنف ، فلما أتاه جرى بينهما كلام فقال له علي (عليه السلام) : إحلب حلباً لك شطره ، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤمرك غدا . . . ثم أتى فبايعه . . . .
( وعن عدي بن حاتم قال : ما رحمت أحداً رحمتي علياً حين أتى به ملبباً فقيل له : بايع ، قال : فإن لم أفعل ؟ قالوا : إذا نقتلك ، قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله ، ثم بايع كذا ، وضم يده اليمنى !
(وعن أبي عون أن أبا بكر أرسل إلى علي (عليه السلام) يريده على البيعة فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه قبس فلقيته فاطمة (عليها السلام) على الباب فقالت : يا ابن الخطاب أتراك محرقا عليّ بابي قال : نعم وذلك أقوى فيما جاء به أبوك ! وجاء علي (عليه السلام) فبايع .)
وعن حمران بن أعين عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : والله ما بايع علي (عليه السلام) حتى رأى الدخان قد دخل بيته ) . انتهى . (أنساب الأشراف : 1 / 586 – 587 ).
وعلى هذا الأساس استمر في عهد عمر وعثمان.