ما المراد من حديث (ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه) وكيف يكون ترك الدنيا للدين ؟
السؤال :
ما المعنى المراد في حديث : (ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه). كيف يتمثل ترك الدنيا للدين؟ او ليس ذلك ما يوصى به من قبل محاضرات سماحتكم التوعوية؟ وبقية الأحاديث الشريفة
الجواب :
ان الروايات الواردة في ذم الدنيا وعدم الانجرار الى الدنيا والابتعاد عن الدنيا المقصود منها نيل الدنيا من الطرق الغير المشروعة للحصول على المال والمنصب والمقام عن طريق الظلم والغش والانانية والخديعة وغيرها واما الحصول على الاموال من الطرق السليمة الصحيحة المشروعة فلا تشملها الروايات الواردة وبعبارة أخرى هي خارجه تخصصا. ان الله خلق الدنيا للعيش وتنعم الانسان من خيرات الارض قال تعالى «فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه» وقال أيضاً «قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق» وامرنا باستعمار الارض والاستفادة منها وكان الانبياء والائمة يعملون ويجهدون لطلب الرزق فقد روى محمد بن المنكدر: ما كنت اظن اني ارى مثل علي بن الحسين عليه السلام حتى رأيت ابنه محمد بن علي (الباقر) عليه السلام ولقد اردت مرة ان اعظه فوعظني. فقيل له: كيف ذلك. قال خرجت الى بعض نواحي المدينة في ساعة حاره فلقيني ابو جعفر عليه السلام وكان رجلا بدينا ثقيل الجسم وهو معتمد على غلامين له اسودين. فقلت في نفسي: شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا لأعظه. فدنوت منه فسلمت عليه ورأيته قد تصبب عرقا، فقلت اصلحك الله شيخ من اشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا أرايت لو جاءك الموت وانت على هذه الحال في طلب الدنيا. قال: فخلا الغلامين من يده ثم تساند الى الحائط. فقال: لو جائني والله الموت وانا على هذه الحال جائني وانا على طاعة من طاعة الله عز وجل اكف بها نفسي واهلي عن الناس وانما كانت اخاف الموت لو جائني وانا على معصية من معاصى الله. قلت رحمك الله اردت أن اعظك فوعظتني. (شرح الاخبار 3/282 حديث 1192 ، بحار الانوار 46/287 و 10/157 ح7). فعليه طلب الدنيا للعيش بعزة وكرامة من عرق جبينه وعمل يمينه من الطرق المشروعة لكسب المال الحلال الطيب الطاهر مطلوب ولازم وضروري شرعاً وعرفاً. واما الجملة التي ذكرتها الافراط والتفريط لطلب الدنيا. اما الافراط فترك الدين للدنيا وهو نيل الدنيا على حساب الدين وبأي وسيلة وثمن للحصول على المال والمنصب والمقام متخطيا حدود الشرع والوجدان والاخلاق كما عليه الغرب في هذا العصر في تأجيج الحروب والأزمان للحصول على اموال وخيرات الشعوب على حساب دمار نفوسهم واموالهم واقتصادهم وامنهم واستقرارهم و… ليعمروا بلدانهم ولتشغيل عمالهم ومصانعهم واما التفريط: بان يترك السعي عن العمل والتكسب وترك المجتمع والانزواء وترك الزواج ويكون كلا وعالة على الآخرين بحجة العبادة والزهد الغير المرضى لله تعالى فهو مصداق من ترك الدنيا للدين فهذا العمل ليس من الدين ولا من المتدينين. ونعم ما قال سيدنا امير المؤمنين عليه السلام اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كانك تموت غدا.